الحديث عن ما يدور في مجتمعي هو من أكبر أهدافي في هذه المدونة، وقد مر حدثٌ مؤلم، تألمتُ فيه أنا ومجموعة من أبناء مجتمعي، وكان مصدر ألمنا جميعًا الشعور الذي سيطر علينا تلك الليلة بأننا لا نستحق أدنى درجات التقدير لدى شركتنا الغالية (ماديًا) الخطوط الجوية العربية السعودية، دعوني أشارككم نبضي وإليكم ما حدث بتفصيل ليس بالطويل:
في ليلة شاتية وبالتحديد في مساء يوم الاثنين المنصرم حزمتُ حقائبي وأعددت أمتعتي في رحلة اجتماعية إلى المنطقة الشرقية (الدمام)، وبعد شراء التذاكر علمت بأن موعد الرحلة هو في تمام الساعة (9:10) دقائق مساءً.
انطلقت بعد ترتيب مواعيدي هناك في الدمام إلى مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة، وصلت في تمام الساعة (8:05) دقائق واستخرجت بطاقة صعود الطائرة وجلست أنا وأحد الأصدقاء منتظرين موعد الإقلاع، ونحن نستعيذ بكلمات الله التامة من التأخير الذي يزعمه (دائمًا) المسافرون (بهتانًا) على الخطوط الجوية العربية السعودية.
وعند تمام الساعة (8:40) نظرتُ فإذا أنا وصديقي على متن الطائرة، فقلت: لا يتوقف الناس عن ظلم هذه الخطوط فنحن في الوقت المحدد جالسون على متن الطائرة، وبحديث ممتع قطعنا أنا وصاحبي نصف الساعة المتبقي للإقلاع، ثم ربطتُ حزامي وابتسمتُ للمضيف وانتظرت تحرك الطائرة..
انتظرتُ … ثم انتظرتُ… ثم نظرتُ… ثم عبستُ… ثم سألتُ… ثم مرت ساعة دون إقلاع، ثم تحدث المضيف (الملاح) معتذرًا عن التأخر بعد أكثر من نصف ساعة وأنه يتم إصلاح الطائرة وستنتهي المشكلة ـإن شاء الله ـخلال خمس دقائق.
قلت لصاحبي مبتسمًا: خمس دقائق.. الحمد لله الأمر تحت السيطرة..
مرت خمس وخمس وخمس وخمس ومثلها.. ثم أمرنا (الملاح) بالنزول من الطائرة حتى إشعار آخر…
ثم استفقتُ فإذا أنا وصاحبي جالسين في نفس المكان السابق، انتظرنا قليلًا لأننا (تعودنا) في كل تأخير أن تأتي وجبة للأطفال والشيوخ والمرضى والنساء ونحن معهم، مرت دقائق، ومثلها، قلت لصديقي: يبدو أننا مذنبون محجوزون في هذه الصالة ولسنا مسافرين، تولينا أمرنا واشترينا ما اشتهينا (بأقل الأسعار طبعاُ)..
ثم جاء الإعلان عن موعد أقلاع رحلة (1450) المتهجة إلى الدمام، حمدنا الله واغبتنا من يظلم الخطوط (سامحهم الله ورزق الله الخطوط الصبر على الأذى)..
نظرتُ فإذا أنا وصاحبي في مقاعدنا على متن طائرة جديدة، نظرتُ فإذا الساعة تشير إلى (11) مساءً، ويفترض أننا الآن قد وصلنا للدمام، قلت في نفسي: الحمد لله على كل حال..
انخرطت وصاحبي في حديث أقل إمتاعًا من حديثنا على طائرتنا الأولى، وانتظرنا، طلب منا كابتن الطائرة الانتظار قليلًا، ثم أطفئت أنوار الطائرة، هلع الأطفال قليلًا، ثم عاد كل شيء كما كان…
بعد ساعة تقريبًا أمرنا (الملاح) بالنزول من الطائرة لوجود خللٍ فني!!.. قلت للمضيف: لماذا لم تتأكدوا منها قبل صعودنا؟. لم يجبني المضيف وبقي يعتذر عن الخلل…
عندها نزلنا من الطائرة وقد لاحظتُ شيخًا كبيرًا يسير بتعب شديد، وطفلة معاقة اعتصر قلبي لها، يجرها أهلها على عربة وهي شبه فاقدة للوعي، ونساءً أتعبهن بكاء الأطفال..
مكثنا في (الباص) أكثر من نصف ساعة وقوفًا وقد أعيانا التعب، قال لي صاحبي: يبدو أنهم لا يريدون تسيير (الباص) لعلهم يصلحون الطائرة فلا يتكلفون سعر حركة الباص.. قلت في نفسي: إلى هذه الدرجة يظلم الناس هذه الخطوط..
اقتربت مني إحدى النساء وهي كبيرة في السن وقالت: ماذا أعمل الآن؟. قلت: انتظري لعل الله ييسر الأمر…
قال لي صاحبي: نحن في سجن، بل السجناء أرقى منا حالًا، فنحن هنا منذ ما يقارب الأربع ساعات ولم يقدموا لنا شربة ماء!!.
تكلف بعضُ المسافرين شراء وجبات على حسابهم بما يعادل نصف قيمة التذكرة، وخرج بعضهم متذمرًا من المطار.. وانتظرنا أن يعتذر لنا أحدٌ فلم نجد أيَّ اعتذار…
اعتذرت من صديقي أنني لا أستطيع الذهاب وأنني سأغادر المطار، فليس لدي الوقت حتى أضيعه مع الخطوط الجوية العربية السعودية..
ألح الصديق بالمكوث لآخر مرة، وبعد ما يقارب الساعة جاء الإعلان عن إقلاع رحلة (1450) إلى الدمام، كنا في هذه المرة نحن من يظلم الخطوط ويغتابها..
ولكن أتدرون ماذا قال المعلن في هذه المرة، صدقوني إنه يفوق كل صفاقة يمكن أن نستمع إليها من شخصٍ لا أظنه يمثل إلا نفسه، قال بصوت عالي وبنبرة غاضبة: (ثلاث دقائق ونغلق البوابة)…
هكذا إذن، كانت الساعة قد وصلت (1:30) فجرًا، ونحن ماكثون هنا لأكثر من خمس ساعات ونصف، ثم نُنهر بهذه الطريقة، ولم نحظ بأي اعتذار، ولم توزع على المسافرين أي وجبة أو شربة ماء…
هكذا.. ثلاث دقائق ثم يريد أن يغلق البوابة، نعم نحن المذنبون، لماذا نتأخر عن الثلاث دقائق، ليس من حقنا، هل يحق للمسافرين بعد نزولهم أن يشتروا على حسابهم وجبات ليطعموها أولادهم ومرضاهم!! فيتسببوا في تأخير الطائرة!!…
الآن عرفت سبب عدم تقديم الوجبة، لقد توقعوا أن يتم الإعلان عن الرحلة في أي وقت، وقد تؤخر هذه الوجبات صعود المسافرين إلى الرحلة، وهذا ما حدث، (سامح) الله هؤلاء الركاب، نعم تأخرنا بسببهم، فقد مكثوا يأكلون ويشربون ما يزيد على دقيقتين، ثم هبوا، إلى الطائرة …
بعد ما (استوينا) أعلن الكابتن إقلاع الطائرة، نظرت إلى ساعتي كانت الساعة (1:45) فجرًا.. ابتسمت لصديقي وقلت له: شكرًا لاختيارك الخطوط الجوية العربية السعودية…!!!..
موقع الدكتور: فهد مبارك الوهبي